كل ما تريد معرفته عن ترقيع العظام.. مع الدكتور مصطفى الحلوجي
لطالما اعتُبر العظم حجر الأساس للبنية التشريحية، وبدونه تفقد الأعضاء والأنسجة متانتها واستقرارها. وعندما يحدث نقص أو تلف عظمي — نتيجة صدمة، عدوى، أورام، أو جراحة وجراحة إعادة بناء — فإن “ترقيع العظام” يدخل إلى دائرة الحلول الجراحية الهامة، ليس فقط لتحقيق إعادة التكوين التشريحي، بل أيضاً لاستعادة الوظيفة الحيوية والحركة الطبيعية.
وفي هذا الحوار الصحفي مع الدكتور مصطفى الحلوجي، يشرح الرؤية الشاملة لترقيع العظام: متى يُطبَّق؟ ما هي التقنيات المتاحة؟ وما التحديات التي تواجه الأطباء والمرضى؟
ما هو ترقيع العظام؟ ولماذا نحتاجه؟
ترقيع العظام (Bone Grafting) هو إجراء جراحي يُستخدم لتعويض نقص أو فقدان في نسيج العظم، عبر زرع كتلة أو مادة داعمة — من العضم نفسه أو من مصادر أخرى — في المنطقة المصابة، بحيث تلتحم هذه الزرعة بالعظم المحيط وتُستبدل به تدريجياً أو تدعمه.
الهدف من ذلك ليس مجرَّد ملء الفجوة، بل تحقيق إعادة بناء هيكلية قوية، تسمح بتحميل القوة والوظيفة، مع ضمان استمرارية الأوعية الدموية والتكامل بصورة حيوية.
نلجأ إلى الترقيع العظمي في حالات عدة، منها:
عيوب عظميّة كبيرة بعد الإصابات أو الكسور المعقَّدة
عمليات إعادة البناء بعد استئصال أورام عظمية
فشل التئام العظام (Non-union)
في جراحات زراعة الأسنان عندما يكون حجم العظم غير كافٍ لدعم الغرسات
في جراحات الوجه والفك، أو إعادة بناء عظام الجمجمة
و يُعد الترقيع العظمي خطوة أساسية في كثير من حالات زراعة الأسنان، إذ يُهيئ الفك لدعم الزرعة وضمان استدامتها لسنوات طويلة. (Facebook)
ما هي أنواع التقنيات والمصادر المستخدمة؟
يتوفر في الترقيع العظمي عدة خيارات، وكل منها يحمل موازنة بين الفوائد والمخاطر:
الزراعة الذاتية (Autograft) نقوم بنقل العظم من جزء صحي من المريض نفسه (مثلاً من عظمة الحوض أو الفك الآخر) إلى المنطقة المحتاجة. الميزات: أفضل توافق بيولوجي، لا خطر رفض، محفّز طبيعي لنمو العظم (osteogenesis). العيوب: يتطلب جراحة إضافية في موقع المانح، وقد تحدث مضاعفات في موقع سحب العظم مثل ألم أو ضعف مؤقت
.
الزراعة من متبرع بشري (Allograft) تُستخدم عظام مأخوذة من متبرعين — عادة من بنك عظام — بعد معالجات معقمة.
و الميزة: لا حاجة لجراحة سحب إضافية من المريض، وتوفر كمية معقولة من المادة.
التحديات: خطر بسيط للنقل المرضي أو رد فعل مناعي، وتحتاج إلى إعادة تجدد (remodeling) بطيئة.
المواد الصناعية (Synthetic / Alloplastic grafts) تشمل مركبات مثل هيدروكسي أباتيت، فوسفات الكالسيوم، أو مركبات سيراميكية أو بوليمرية. المزايا: متوفرة بعدد كبير، خالية من الأمراض المعدية، قابلة للتشكيل حسب الحاجة. المساوئ: لا تمتلك خلايا حية، تعتمد على تحفيز العظم المضيف للنمو، قد تكون أبطأ في الاندماج.
الترقيع المعزز بالعوامل البيولوجية (Growth factor–augmented grafts) تدخل في المعادلة بروتينات النمو، الخلايا الجذعية، أو مواد أخرى تساعد على تسريع النمو العظمي، مما يحسِّن سرعة التئام الزرعة واندماجها.
الترقيع التوجهي (Guided Bone Regeneration – GBR) يُستخدم غشاء حيوي أو صناعي يُركَّب فوق الزرعة ليحميها من الأنسجة اللينة ويُوجّه نمو العظم في الاتجاه المناسب. وقد استُخدمت هذه التقنية في تجارب ناجحة على مدى سنوات طويلة. (fomm.amegroups.org)
وما هي خطوات العملية والنواحي الفنية؟
من وجهة نظري كطبيب ممارس، فإن نجاح عملية الترقيع العظمي يعتمد على دقة التنفيذ، والتخطيط السليم، والالتزام بأسس الأحياء الدقيقة (biologic principles). وهذة الخطوط العريضة للعملية:
التقييم والتخطيط المسبق فحص شامل يُجريه الطبيب: صور أشعة (CT أو ثلاثي الأبعاد)، تقدير حجم الفجوة العظمية، تقييم الحالة الصحية، وجود أمراض مزمنة مثل السكري أو ضعف التروية التي قد تؤثر على الانصهار.
اختيار المادة المناسبة بناءً على الاحتياج (هيكل دعمي كبير أم تعديل طفيف) وأولوية المريض (تجنب جراحات إضافية مثلاً)، يُحدد النوع المناسب من الزرع.
التحضير الجراحي شق رقيق بعناية، تنظيف المنطقة المصابة من أي أنسجة تالفة أو التهاب، تجهيز حواف العظام المحيطة لتكون جاهزة للاندماج مع الزرعة.
زرع المادة العظمية وتثبيتها تُوضع الزرعة في الفراغ، وتثبَّت بمسامير أو شرائح إذا لزم، أو تُغطَّى بغشاء توجيهي لضمان عدم هجرة الخلايا اللينة إليها.
إغلاق الجرح بآلية دقيقة وإغلاق الطبقات بشكل محكم لمنع تسرب الجراثيم، مع ترك تهوية مناسبة إن لزم الأمر.
الفترة الزمنية للاندماج والمتابعة تستمر المراقبة الطبية على مدى عدة أشهر، حيث تنمو أوعية دموية داخل الزرعة وتبدأ الخلايا العظمية الجديدة في استبدال المادة المزروعة تدريجياً. قد تُستخدم أشعة متابعة للتأكد من الاندماج والتئام المنطقة.
وما هي المخاطر والمضاعفات المحتملة ؟
كما في كل تدخل جراحي، توجد احتمالات يجب التنبه لها:
فشل الاندماج (Non-union) أو امتصاص الزرعة
عدوى موضعية
تلف الأعصاب أو الأوعية الدموية المجاورة
تراجع أو امتصاص جزئي في الحجم
ألم أو مضاعفات في موقع السحب (في حالة الزرع الذاتي)
استجابة مناعية بسيطة للزرعة المانحة
لكن هذه المضاعفات ليست شائعة إذا وُضعت المعايير جيدًا، وبُنيت العملية على أساس علمي مع مراعاة عوامل المرضى.
ما العوامل التي تؤثر على النجاح؟
أجد أن هناك مجموعة من العوامل المعروفة التي تلعب دوراً حاسماً في تحقيق نجاح العملية:
الحالة الصحية العامة للمريض (داء السكري، التدخين، نقص التغذية)
جودة الأنسجة المحيطة (تروية دم جيدة، عدم وجود التهابات)
دقة التقنية الجراحية
اختيار المادة الأنسب
المتابعة الجيدة والرعاية اللاحقة
وفي الأبحاث الحديثة، مثلاً، وُجد أن المرضى الذين يعانون من أمراض مخاطية فموية أو يستخدمون أدوية مثبطة للمناعة قد تكون نسبة نجاح الزرع أقل. (Cureus)
ويري الدكتور مصطفى الحلوجي أن المستقبل في هذا المجال سيشهد استخدامًا أوسع للخلايا الجذعية لزيادة سرعة التعافي ، وكذلك التقنيات الحيوية(Bio-scaffolds) المدمجة مع عوامل تطوير مواد صناعية ذكية يمكنها تنظيم الإطلاق التدريجي للعوامل المحفزة ، أدوات طباعة ثلاثية الأبعاد لصنع زرعات مخصصة حسب التشريح الدقيق للمريض ، دمج الصور الحية والمراقبة الدقيقة أثناء الجراحة (Navigation / Augmented Reality)
كل هذه التطورات ستُسهم في تقليل الخطر، وتقليل زمن الشفاء، وزيادة نسبة النجاح